انتهى الحلم الجميل وخرجنا من كأس العالم للقارات، المحصلة فى حد ذاتها طيبة بهزيمتين وفوز هو الأغلى فى تاريخ الكرة المصرية، لأنه تحقق على أبطال العالم فى كرة القدم وظل حديث العالم لعدة أيام متتالية بصرف النظر عن حالة أبطال العالم، فالتاريخ سيظل يذكر أننا هزمنا بطل العالم فى بطولة رسمية، أيضاً عرض جيد أمام البرازيل والذى سيتصدر غالباً التصنيف العالمى عقب هذه البطولة والخسارة ٣/٤، وأخيراً هزيمة مدوية ٣/صفر أمام الأمريكان والخروج من الحلم الجميل.
ورغم أن هؤلاء اللاعبين وجهازهم الفنى هم الذين جعلونا نعيش أياماً جميلة وزادوا من أحلامنا بزيادة جرعة الثقة بالفوز والعبور، وهم أيضاً من أعطونا الثقة بأنفسنا بأننا قادرون على الفوز بل والتأهل لنهائيات كأس العالم كنتيجة طبيعية لما حدث هناك فى جنوب أفريقيا، فإنهم عادوا كالعادة وأخرجونا من الحلم الجميل بالهزيمة الغريبة أمام الأمريكان، والذين كانوا قد حجزوا بطاقة المغادرة إلى بلاد العم سام، إلا أنهم وبمفاجأة لا تحدث إلا كل مائة عام وجدوا أنفسهم فى الدور نصف النهائى بفوزهم الكبير علينا وهزيمة إيطاليا بنفس النتيجة أمام البرازيل لتصعد أمريكا فى سيناريو يعجز عن كتابته الفريد هتشكوك ولا حتى رأفت الميهى.
عندما تشطح به خيالاته لأقصى درجة، ولكن دعونا من الخروج وتعالوا بنا لنرصد ما حدث فى الإعلام المصرى طيلة أسبوعين ما بين سالب وموجب، فبعد مباراة الجزائر خرجنا ننتقد ما حدث هناك، والنتيجة التى قد تقصف بآمال الشعب المصرى فى التأهل لنهائيات كأس العالم، بل إن البعض كان قاسياً وعنيفاً فى هجومه على الجهاز الفنى واتحاد الكرة، وطالبهم بالرحيل، والبعض الآخر اكتفى بالتلميح لا التصريح ولكن فى النهاية أجمع الكل على سوء حالة المنتخب الوطنى، ثم تغيرت النغمة تماماً عقب العرض الجيد أمام البرازيل، وبدأت لغة الإشادة بالفريق والجهاز الفنى والنزعة الهجومية للفريق، والتى مكنته من تسجيل ثلاثة أهداف فى شباك البرازيل، وبعدها وصل الحديث إلى درجة خيالية من الإشادة.
ولمَ لا فقد فزنا على أبطال العالم، وأصبح تأهلنا للدور نصف النهائى مسألة وقت لا غير، بل إن البعض ذهب إلى الحديث عن أننا فى المباراة النهائية لا محالة وأنه لا خوف علينا من إسبانيا أو غيرها لأن فريقنا فى أفضل حال، وبدأ البعض يلقى بالاتهامات على بعض رجال الإعلام الأغبياء الذين تعجلوا فى الهجوم على الجهاز الفنى واللاعبين عقب مباراة الجزائر، حيث تعجلوا النقد لهم، وكالعادة حولناها إلى معركة شخصية وتصفية حسابات ونظرية مؤامرة، وكأن النقد ممنوع عند الخطأ بل عيب أيضاً أن تمارس عملك فى النقد والتصحيح وكأنهم نسو الحكمة الشهيرة التى تقول «رحم الله امرأ أهدى إلى عيوبى» ليقلبوها إلى «قتل الله امرأ وجه لى نقداً» وهى عادة مصرية لن تتغير.
فنحن تحكمنا العاطفة، فلا وسطية أبداً فى الحكم على الأشياء، فالفرح لا حدود له والحزن أيضاً ليس له حدود، فقط العاطفة. أما المعايير والمقاييس فى الحكم على الأشياء فهى آخر ما نلجأ إليه، ورغم اعترافى بأن المنتخب أدى بصورة سيئة للغاية أمام أمريكا وهو ما لابد وأن نعترف به، فإنه من المستحيل أن نقتل اللاعبين وجهازهم الفنى مائة مرة كل يوم، ونكيل لهم الاتهامات والتى تعدت الجانب الفنى ووصلت إلى الجانب السلوكى، اعتماداً على خبر مشبوه فى إحدى الصحف الجنوب أفريقية تبريرًا لحادث السرقة الذى تعرض له سبعة من أعضاء بعثة المنتخب الوطنى.
وهى حوادث تتكرر يومياً هناك ويشكو منها دائماً أبناء البلد الذى استضاف هذه البطولة، ولعلها هى الهاجس الوحيد الذى يقلق أبناء البلد فى نهائيات كأس العالم ٢٠١٠، والحقيقة أننا بتحليل بسيط نؤكد صدق الواقعة لأننا ببساطة الذين أبلغنا عن واقعة السرقة لإدارة الفندق واللجنة المنظمة، والتى قامت بدورها بإبلاغ الشرطة، والتى حاولت جاهدة التغطية على ما حدث باختلاق رواية منحطة عن أفراد بعثة منتخب مصر، وأنا أؤكد من جديد أنها رواية مزعومة، والدليل أننا نحن الذين تقدمنا بالشكوى، ولو أن هناك فتيات كما يدعون لكان الجميع قد لزم الصمت، ولم يفتح فمه بكلمة واحدة، وهذا وحده صك البراءة لأفراد المنتخب الوطنى.
ولكنه فى نفس الوقت صك الإدانة لبعض أدوات الإعلام فى مصر، فالبعض سيستغل هذه الرواية المزعومة لتصفية الحسابات مع الجهاز الفنى واتحاد الكرة وبعض اللاعبين، والبعض الآخر سيجتهد للسخرية من سلوكيات اللاعبين وسوء الإدارة وضعف الرقابة، بل إنه سيصل فى تحليله إلى أن الهزيمة والخروج كانا بسبب هذه السلوك المشين! وسينسون أنهم قبلها بـ٢٤ ساعة كانوا يتبارون فى الإشادة بمنتخب الساجدين المصلين المحترمين، ولعلى هنا أتوجه باللوم لأحد أعضاء مجلس الشعب الأفاضل والذى خرج علينا عبر إحدى وسائل الإعلام ليعلن أنه سيتقدم ببيان عاجل وطلب إحاطة لبحث هذه القضية المشينة، وسيطلب عقد جلسة عاجلة لمجلس الشعب لمناقشة هذه القضية!
وذلك رغماً عن أن المجلس قد حصل على الإجازة البرلمانية ويبدو أن ركوب الموجة والظهور فى الفضائيات قد استهواه، فوجدها فرصة لصب جام غضبه أو إظهار مواهبه فى الهجوم اللاذع والقاسى على أبناء منتخب بلده بهذه الطريقة الفظيعة، على الرغم من إشادته البالغة بالفريق قبلها بأيام وكأنهم تحولوا بقدرة قادر من شيوخ ومصلين إلى كفرة